تناقض منهجي وفكري للمدون وليد..

بسم الله الرحمن الرحيم


أعجب للمدون وليد أن يعتبر نفسه شخصا علميا ومتتبع لنظريات علمية محيرة وعميقة كنظرية تطور الأنواع، في حين إنه يفتقر لأبجديات البحث العلمي!

أثناء قراءتي للمدونة وجدت الكثير من التناقضات سأعرض بعضا منها هنا، وأكل البعض الآخر لوقت لاحق حين أدخل في نظرية المعرفة وغيرها من الأبحاث. طبعا بعد ما اطلعت على مدونة العلم نور، وجدت أن المدون جاد يتفوق كثيرا على وليد من حيث الموضوعية وطريقة العرض ومنهجية العرض..

  • أولا
ورد في صفحة الأسئلة المتداولة عن الإلحاد بأن هناك شخصيات إسلامية مشهورة وكبيرة تحولت من الإسلام إلى الإلحاد، فذكر بلهجة المتأكد الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي!!

لا أخفي القارئ الكريم إني أصبت بالذهول والصعقة! ليت شعري هل أصبح الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي المعروف بسلطان العارفين ملحدا؟!

أين وجد المدون وليد نصا للشيخ يدل على إلحاده؟ ليته كتب اسمه في الكوكل حتى تظهر له صفحة الويكيبيديا العربية ليقرأ عن سيرته النزر اليسير، أو لعله يصل لنهاية الصفحة فيقرأ له نصا كاملا مقتبسا من كتاب.

أنا من هذا المنبر أدعو المدون وليد حتى يبقي لنفسه شيء من المصداقية في نفوس قراءه أن يتحرى شيئا من الدقة، سيدي لك أن تدعي وتنكر وتستخف بالفكر الإسلامي، ولك أن تغالط ولكن ليس حد التمادي على عقول القراء واستغلال عدم تخصص بعضهم، فأرجو منك تحري الموقف قبل الكتابة.

  • ثانيا
يريد المدون وليد أن يلغي جميع ما جاء في الفلسفة الإسلامية، ليأتي جنابه الكريم الآن مطالبا لنا بدليل على وجود الله! هل تراثنا الفكري الفلسفي مغمور لهذا الحد حتى لم يستطع وليد الاطلاع ولا على حتى كتاب واحد؟

فأنا هنا أسأل: هل قرأت يا وليد أي كتاب فلسفة إسلامية؟ أراهن على أنك لم تقرأ كتابا واحد في الفلسفة الإسلامية الإلهية، وإلا لما وقعت في أخطاء متخبطة مثل التي عندك، حيث إن جملة من التساؤلات التي يطرحها وليد، تم الإجابة عنها بإسهاب في موروثنا الفلسفي الإسلامي.

فأنا أطالبك بالقراءة قبل أن تطالبني بالدليل، وإن أحببت فأنا مستعد لتوجيهك لما تقرأ حتى لا تتعب نفسك ولا تكلفها عناء البحث. والآن أنا أطالبك بدليل على أن الله غير موجود فأنا قدمت لك سلفا آلاف الأدلة على إثبات الصانع الحكيم.. قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين

أكرر دعوتي مرة أخرى، إقرأ كتاب الأسس المنطقية للاستقراء، قم بتحميله من موقع مكتبة المصطفى المصرية على الإنترنت.

وبالمناسبة وليد يقر القانون التالي: البينة على من ادعى، ولو تتبعنا الجذور الأصولية لهذه القاعدة لوجدناها أول نشوءها ظهرت على يد الإسلام، ونص القانون: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر.. وليد يستورد منا ويستخدم ضدنا، يعني باللهجة العراقية: يبيع مالاتنة علينة!! أي يبيع بضاعتنا أو ممتلكاتنا لنا.

ملاحظة أخرى، المدون وليد يطالب المدعي على أن الله موجود بالدليل، ونحن نزلنا عند عقل الماديين وبحثنا المسألة باستفاضة، ولكن هذه بالأساس مغالطة، فمتى احتاج الإله إلى دليل حتى يقام، فكرة الله موجودة منذ الإغريق، وليراجع فلسفة سقراط وأفلاطون وأرسطو ليطلع، فالمدعي هو من ينكر وجود الله، فهو يدعي إن الله غير موجود، ولذلك القران يقول: قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ [إبراهيم : 10]

فالقرآن يعتبر سلفا أن فكرة الله غير مبهمة أصلا وغير مشكوك فيها، ولكن الخلاف كان في هل أن الإله واحد أم متعدد. فالمادية الإلحادية تشكك في ما يعتبره المجتمعات السالفة بديهة من البديهيات بل وحتى اللحظة كذلك، ليرى وليد الموت وليسأل قلبه في حينها بمن يتعلق! فهو المطالب بالدليل، ومع ذلك، لك ذلك يا وليد ونحن من يقيم الدليل، ولن تأتي بدليل، قل هاتوا برهانكم إن كنتهم صادقين..

  • ثالثا
المدون وليد في الكثير من مقالات لاحظت إنه ينسب المسلمات لما سيكون لا لما هو كائن، حيث إنه يجعل العلم مرجعا للمستقبل أيضا، وهذا خطأ علمي فادح.

في مقالات متعددة يستدرك قوله بأن العلم سيكتشف كذا وكذا كما اكتشف كذا وكذا، وبالتالي لابد أن ننتظر لا أن نقع في خطأ السابقين بأن ننسب المسائل للغيبيات! لا أدري هل خلط وليد بين ما يقع البحث فيه تحت إطار العلم وما يقع البحث فيه تحت إطار العلوم الإنسانية كالفلسفة؟

العلم يخضع للتجربة كما يقول، والتجربة تخضع للحواس، والحواس تخطيء لا يمكن تنزيهها!! إذن فالتجربة تخطي، والعلم المبني عليها يخطيء في النتائج! أليس ذلك علم غير مؤهل لأن يعطينا إجابات كافية لكافة مجالات الحياة الإجتماعية..

  • رابعا
يدعي بأن ما لا يرى ولا يحس فإنه غير موجود! فما قولك بما يرى ولا يحس وهو غير موجود، هذا تدركه بعض الحواس ولا تدركه أخرى ولا تحقق له في الخارج! مثلا السراب.

السراب هو نتيجة طبيعية علمية لخطأ الحواس البشرية، بل هو ظاهرة طبيعية ممكن رؤيتها ولكن لا تحقق لها في الواقع الخارجي. هذا أمر يرى وهو غير موجود، وبالفعل هناك أمور لا ترى وهي موجودة، ولا تشعر بها ولكن تشعر بآثارها، وليس بالضرورة أنك تطال هذه الأمور بحواسك الخمس فقط.

هنا يقع المدون وليد في التناقض، فهو يضرب مثالا بالله، ويقول بأننا لا نستطيع أن نشمة أو نراه أو نتذوقه أو نلمسه أو نسمعه، ويأتي بعد ذلك بالهواء ويقول بأنه يمكن أن نشم الهواء، ولكنك علمت شيئا وغابت عنك أشياء يا وليد، فما قولك في الموجات الكهرومغناطيسية والضوء مثلا، فهي لا ترى وتسمع ولا تشم ولا تلمس ولا تتذوق، ولكنها موجودة وأنت ترى آثارها بكل وضوح.

لا تقل لي أن الضوء يرى، لأني سأعتبرك جاهلا بأبسط قوانين الضوء، فلو كان الضوء يرى لما رأينا شيءا غيره في الوجود ما دام موجودا بل لانعدمت الرؤية!

وما قولك بما هو غير موجود ولا يرى ولكنه يحس به، هذا أصعب من الأول، فهو غير موجود ولكنك تحس به ولكن لا تحس به بأعضائك الخارجية بل تحسن به بعقلك الذي تدعي وجوده وتدافع عنه، ما رأيك بالفكرة!

لا أقصد أخذ رأيك بفكرة ما، بل أسألك عن مفهوم "الفكرة"، هي غير موجودة إذ لا تحقق لها في الواقع الخارجي، ولا يمكن أن ترى، ولكنك تحس بها. وتعلم يقينا بأنها موجودة، وإن أنكرت ذلك، اتهمتك بالجنون!

ثم إذا كان كل شيء مما تناله التجربة ويمكن الإحساس به ولابد أن تدركه الحواس، فلماذا إذن علم النفس لا يدرس بايولوجيا؟ لماذا يدرس نظريا وفلسفيا وأدبيا فقط؟ هل وجدت يوما ما عالم نفس يدرس علم النفس بايولوجيا؟

إن الأمراض النفسية لم يوجد لها علاج حتى هذه اللحظة، وكل ما يمكن عمله هو محاولة التخفيف بتعطيل أو تقليل عمل بعض الأعضاء في الجسم، حيث إننا لا ننكر وجود الجسد وتأثره بالروح، وهو يأتي استجابة طبيعية لما يتعلق به. نعم فالخوف لا تحس به بايولوجيا، ولكنك تحس به نفسيا، ولو كان بايولوجيا لكان الناس يحسون بالخوف بنفس الصورة ولكان رد فعلهم موحد، وهب اختلاف الأجساد تؤدي إلى اختلاف ردود الأفعال، ولكن كيف لنا أن نقضي على الخوف بمجرد العمل والتعود، أي بتغيير العادة، أليس هو عامل بايولوجي بحت، فلماذا لا نتخلص منه بالأدوية مثلا، لماذا لا يوجد دواء لعلاج الخوف كما هناك دواء لعلاج الصداع؟!

  • خامسا
في معرض الإجابة عن الأسئلة التالي:

هل الملحد ديوث ؟ هل لديه قيم وأخلاق ؟ لماذا لا يقتل ويسرق اذا لم يكن لديه رادع ديني ؟
ما رأي الإلحاد في جنس المحارم وزنا الأقارب ؟
ما رأي الإلحاد في المثلية الجنسية ؟

يجيب المدون وليد وكأن المجتمع يحمل في داخله نمطا قام بتطويره، فهو نشأ في مجتمعات تعتبر زواج المحارم (ملاحظة المحارم هو مصطلح إسلامي) أمرا غير مستساغا أو محرما، وهو تقبل المسألة بكل ترحاب حينما سئل، في مصر القديمة لم يكن هذا واردا أيام الفراعنة، فزواج المحارم كان مستساغا عند علية القوم والدليل زواج بعض ملكاتهم من أخوتها.

والرافد الفكري والفلسفي الوحيد الذي لم يجد هذا الأمر مستساغا وصاغه كأمر ينافي الطبيعة البشرية والنفس الإنسانية هو الأديان السماوية.. تماما كزواج المثليين، فهو أمر منافي للطبيعة البشرية، فبالتزاوج يدوم النسل ويحافظ المجتمع على نفسه، ولكن المدون وليد يعتبره حرية شخصية، تماما كما أوضحنا سلفا في نقد مبادئ الرأسمالية.

وسوف أعود لمنظومة الأخلاق في الفكر الرأسمالي في المقالة التالية، وأبين كيف إن الفكر المادي لا يحتوي على أي مقوم من مقومات نظرية أخلاقية تحمل رؤية شاملة للمجتمع، وبالتالي فالسيد وليد مطالب مرة أخرى بتقديم النظرية الشاملة لصلاح المجتمع، إن كان يؤمن بأن الإلحاد المادي له رؤية.

مع التحيات
ليث

هناك تعليق واحد:

  1. غير معرف6/29/2010 6:29 ص

    عظيم ادحض فكرة الألحاد من أساسها

    ردحذف