الاشتراكية وتشخيص المشكلة الرأسمالية.

بسم الله الرحمن الرحيم


كيف لنا في خضم هذا الصراع الفكري أن نميز بين الصحيح والخطأ بالنسبة للأنظمة المادية المتعددة، و كيف لنا أن نرجح أحد الأنظمة المتصارعة فيما بينها كالرأسمالية والاشتراكية؟ أدعو السيد وليد أو جاد للإجابة عن هذا السؤال..

  • الاشتراكية وتشخيص المشكلة اجتماعيا واقتصاديا
لقد شخّصت الاشتراكية المشكلة بالملكية الخاصة!، ولذلك ألغتها من قاموسها وجعلت كل شيء ملكا للدولة، ولكن ذلك بنحو أو بآخر اصطدم بالواقع، فلم يرق إلى مصاف مذاهب فكرية توفر الحلول للمجتمعات، فتداعت النظرية قبل أن تبدأ.

لقد حولت الاشتراكية الدولة إلى شركة كبيرة، يتحكم فيها القلة الحاكمة بمقدرات كل المجتمع، وأنشأة حالة من التململ في المجتمع حيث إنها أقرت مبدأ: من الكل بحسب طاقته إلى الكل بحسب حاجته. فأنت تعمل ما تعمل، وتنتج ما تنتج، سوف لن تحصل على أكثر من الحاجة الضرورية لك، وذلك بطبيعة الحال يجعل الموظف يشعر بالغبن ويبدأ بالتكاسل، فهو عمل أم لم يعمل سيحصل على نفس الأجر.

لم تضع الاشتراكية يدها على النقطة الأساسية في المشكلة، لقد طرحت الرأسمالية نظرية فيها إشكال، عجزت الاشتراكية من إيجاد حل له، بل أوجدت حلا عقيما ففشلت وتهاوت بعد أن تصادمت مع الواقع الاجتماعي، وبالتالي انهار الاتحاد السوفيتي، وهو الدولة التي تبنت الفكر الاشتراكي بحذافيره.

إن مآسي الرأسمالية لم تنشأ من الملكية الخاصة، وإنما هي وليدة المصلحة المادية الشخصية التي جعلتها مقياسا للحياة في النظام الرأسمالي المادي، والمبرر المطلق لجميع التصرفات والمعاملات. فالمجتمع عندما تقام أسسه على هذا المقياس الفردي والمبرر الذاتي، لا يمكن أن ننتظر منه غير ما حصل، فإن من طبيعة هذا المقياس تنبثق تلك اللعنات والويلات على الإنسانية كلها، لا من مبدأ الملكية الخاصة، فلو بدلنا المقياس، ووضعت للحياة غاية جديدة مهذبة تنسجم مع طبيعة الإنسان، لتحقق بذلك العلاج الحقيقي للمشكلة الإنسانية الكبرى.

وأخيرا يتحصل عندنا، أن المشكلة الأساسية التي تتولد عنها كل الشرور الاجتماعية وتنبعث منها مختلف ألوان الآثام، لم تعالَج المعالجة الصحيحة التي تحسم الداء وتستأصله من جسم المجتمع البشري. وبطبيعة الحال أن دراستنا لكل مبدأ تبدأ بدراسة ما يقوم عليه من عقيدة عامة عن الحياة والكون وطريقة فهمها، فمفاهيم كل مبدأ عن الحياة والكون تشكل البنية الأساسية لكيان ذلك المبدأ. والميزان الأول لامتحان المبادئ هو: اختبار قواعدها الفكرية الأساسية التي يتوقف على مدى إحكامها وصحتها إحكام البُنى الفوقية. وليس اختبار القواعد الشعبية، فعند نقدنا لفكر معين نحن لا نذهب لنقد من يتسمى به ولا نقد من يطبقه أو يدعيه (كما يفعل وليد في الكثير من طروحاته)، بل نتجه لنقد قواعده الفكرية والأصولية.

إن ما يحصل الآن من نقد للمسلمين وهم ليسوا من المطبقين للقواعد الفكرية الإسلامية بصورتها الكاملة هو مغالطة أكثر ما يكون عنه نقدا، فحيث إن الإسلام فكرا ومنطقا وفلسفة لم يحظ بالنقد الكامل الذي يرقى للإطاحة بجوانب منه، فإنه يبقى الحل الوحيد والأمل كنظام اجتماعي واقتصادي لم يتم الوقوف عليه كاملا.

أنا إنما أنقد المجتمعات الرأسمالية المادية، لأنها تتبنى فكرا وتطبقه بصورة كاملة تقريبا في جميع الصعد الاجتماعية منها وغير الاجتماعية، ولهذا لم أتطرق لنقد الاشتراكية بإسهاب لأننا اليوم لا نجد من يتبنى الفكر الاشتراكي ويطبقه بصورة كاملة.

إن النظام الراسمالي الديمقراطي ليس منبثقا من عقيدة معينة عن الحياة والكون، ولا مرتكزا على فهم كامل لقيمها التي تتصل بالحياة الاجتماعية وتؤثر فيها. وهو لهذا ليس مبدأ بالمعنى الدقيق للفظ المبدأ، لأن المبدأ عقيدة في الحياة ينبثق عنها نظام للحياة.

فنحن إذن بين فلسفتين لابد من دراستهما، لنتبين القاعدة الفكرية الصحيحة للحياة التي يجب أن نشيد عليها وعينا الاجتماعي السياسي لقضية العالم كله، ومقياسنا الاجتماعي والسياسي الذي نقيس به قيم الأعمال، ونزن به أحداث الإنسانية في مشاكلها الفردية والدولية.

والقاعدة التي يرتكز عليها المبدأ تحتوي على الطريقة والفكرة، أي: على تحديد طريقة التفكير، وتحديد المفهوم للعالم والحياة. ولما كنا لا نستهدف في دراستنا هذه الدراسات الفلسفية لذاتها، وإنما نريد دراسة القواعد الفكرية للمبادئ، فسوف نقتصر على دراسة العنصرين الأساسيين لكل قاعدة فكرية ينبثق عنها نظام، وهما: طريقة التفكير، ومفهومها عن للعالم. فهاتان المسألتان هما مدار البحث هنا. ولما كان من الضروري تحديد الطريقة قبل تكوين المفاهيم، فنبدأ بنظرية المعرفة التي تحتوي على تحديد معالم التفكير وطريقته وقيمته، ويتلو ذلك دراسة المفهوم الإسلامي للعالم بصورة عامة.

مع التحيات
ليث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق