المراحل التي يمر بها المنطق الذاتي لإنتاج اليقين
يؤمن المذهب الذاتي بأن كل معرفة ثانوية يحصل عليها العقل على أساس التوالد الذاتي تمر بمرحلتين أساسيتين المرحلة الأولى التوالد الموضوعي والمرحلة الثانية التوالد الذاتي:
- التوالد الموضوعي
في هذه المرحلة تبدأ المعرفة احتمالية وينمو الاحتمال باستمرار ويسير نمو الاحتمال في هذه المرحلة بطريقة التوالد الموضوعي حتى تحظى المعرفة بدرجة كبيرة جداً من الاحتمال غير أن طريقة التوالد الموضوعي تعجز عن تصعيد المعرفة إلى درجة اليقين وفي هذه المرحلة لا يوجد في الدليل الاستقرائي أي قفزة من الخاص إلى العام أو أي ثغرة عقلية وتسمى هذه المرحلة بالمرحلة الاستنباطية من الدليل الاستقرائي لأن الدليل فيها يمارس عملية استنباط عقلي وفقاً لقواعد التوالد الموضوعي للفكر يحددها المنطق الصوري والشرط الأساسي لتمكن الدليل الاستقرائي من ممارسة هذه المرحلة يتوقف على افتراض عدم وجود مبرر قبلي لرفض علاقات السببية بمفهومها العقلي أي للاعتقاد بعدمها وهذا لا يكلف الدليل الاستقرائي إثباتا مسبقا لأن الرفض هو الذي يحتاج إلى إثبات وأما عدم الرفض القبلي فيكفي له عدم وجود مبرر للرفض والمقصود من السببية بالمفهوم العقلي هو علاقة بين مفهومين كمفهومي (أ) و (ب) تجعل أحدهما ضروريا عند وجود الأخر فالأول هو المسبب والثاني هو السبب أما بالنسبة بالمفهوم التجريبي فهي أن كل (أ) يعقبها أو يقارنها (ب) بصورة مطردة دون أن يفترض في هذا الاطراد أي ضرورة ومن الواضح أن رفض فكرة الضرورة واللزوم نهائيا يؤدي إلى الاعتقاد أن أي حادثة توجد عقيب حادثة أخرى فوجودها عقبها صدفة ولا يعبر عن أي لزوم فالغليان عقب الحرارة والحرارة عقب الحركة صدفة وبهذا يتضح:
- السببية بالمفهوم العقلي علاقة ضرورة, والسببية بالمفهوم التجريبي اقتران أو تتابع بين الحادثين بصورة مطردة صدفة.
- السببية بالمفهوم العقلي علاقة واحدة رئيسية بين مفهومين والعلاقات بين أفراد هذا المفهوم وأفراد ذاك ارتباطات متلازمة تنشأ من تلك العلاقة الرئيسية وليست كذلك السببية بالمفهوم التجريبي.
- إن أفراد المفهوم الواحد متلازمة في علاقاتها السببية على أساس المفهوم العقلي للسببية بمعنى أن أي فرد من أفراد ماهية معينة إذا كان سببا لفرد من أفراد ماهية معينة أخرى فمن الضروري أن يكون كل فرد من الماهية الأولى سببا لفرد من الماهية الثانية في ظل نفس الشروط التي كان الفرد الأول فيها سببا وذلك لأن السببية علاقة ضرورة بين مفهومين فلا يمكن أن يحصل فرد من مفهوم على هذه العلاقة دون فرد أخر لنفس المفهوم وهذا معنى أن الأشياء المتماثلة تؤدي إلى نتائج متماثلة أما مجرد التتابع أو الاقتران الذي تفسر السببية على أساسه في المفهوم التجريبي فهو بوصفه علاقة بين فردين لا بين مفهومين فبالإمكان أن توجد هذه العلاقة لفرد دون أخر مماثل له.
وبهذا نقف على أن من يرفض علاقات السببية بمفهومها العقلي رفضا كاملا لا يمكنه أبداً أن يفسر الدليل الاستقرائي في مرحلته الاستنباطية ويبرر نمو الاحتمال بالقضية الاستقرائية وعن هذا الطريق يمكننا أن نبرهن لكل من يعترف بقيمة حقيقية للدليل الاستقرائي في تنمية الاحتمال على أنه مضطر للتنازل عن المبررات القبلية لرفض علاقات السببية ونفيها ومن أجل هذا سوف نذكر باختصار المبررات القبلية لرفض علاقة السببية بالمفهوم العقلي ويكفينا في حدود إنجاح الطريقة العامة المقترحة للدليل الاستقرائي أن لا نجد مبررات للرفض ولسنا بحاجة إلى مبررات قبلية لإثبات المفاهيم العقلية عن السببية.
مبررات رفض السببية العـقلية:
- التبرير المنطقي:
- التبرير الفلسفي:
- التبرير العلمي:
- التبرير العملي:
ومن خلال ما ذكرناه نستطيع أن نحدد موقفنا من الأدلة والشواهد التي تساق عادة لإثبات أن الاستقراء ليس استدلال منطقيا فهناك محاولات تستهدف انتزاع الطابع المنطقي من الاستدلال الاستقرائي وتستدل على ذلك بفشل الاستقراء أحيانا وخروجه بنتائج باطلة بدون شك رغم انه من الناحية المنطقية يصطنع نفس الطريقة التي تصطنعها الاستقراءات الناجحة وهذا يعني أن نجاح الاستقراء في الوصول إلى نتائج صحيحة لا يقوم على أساس منطقي ولا يستمد مبرره من منطقية الطريقة الاستقرائية في الاستدلال لأن الطريقة نفسها موجودة في الاستقراءات الفاشلة فان هذه الاستقراءات التي تفشل أحيانا ليست هي نفسها التي تنجح في أكثر الأحيان فلا يمكن أن يستخدم ذلك كدليل على أن الاستقراء ليس مبدأ منطقيا بل إن الدليل الاستقرائي إذا استكمل متطلباته اللازمة لممارسة مرحلته الاستنباطية فهو ناجح في تنمية احتمال التعميم وإعطائه اكبر قيمة احتمالية ممكنة وهذا يعني أن الدليل الاستقرائي في مرحلته الاستنباطية يبرهن على قيمة احتمالية كبيرة وهو في حدود برهنته على هذه القيمة وضمن شروطه ومصادراته اللازمة له مبدأ منطقي ولا يعني هذا أن النتيجة التي يبرهن الاستقراء على قيمة احتمالية كبيرة لها يجب أن تكون صادقة دائما من الناحية المنطقية وإنما يعني أن القيمة الاحتمالية الكبيرة التي يعطيها الدليل الاستقرائي للنتيجة قيمة منطقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق