صفات الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

حينما نؤمن باللّه سبحانه وتعالى خالقاً للكون ومربياً له ومنظماً لمسيرته وفق الحكمة والتدبير ينتج عن ذلك طبيعياً أن نتعرف على صفاته من خلال صنعه وإبداعه ونقيم خصائصه بما تشع به مصنوعاته من دلالات، تماماً كما نقيم أي مهندس على أساس الصفات التي تميز إنتاجه الهندسي، ونقيم المؤلف على ضوء ما يحويه كتابه من علم ومعرفة، ونحدد شخصية المربي عن طريق ما أودع فيمن رباهم من شمائل وخصال.

وبهذا نستطيع أن نأخذ لمحة عما يتصف به الصانع العظيم من علم وحكمة وحياة وقدرة وبصر وسمع، لان ما في نظام الكون من دقة وإبداع يكشف عن العلم والحكمة، وما في أعماقه من طاقات يدلل على القدرة والسيطرة، وما في أشكاله من ألوان الحياة ودرجات الإدراك العقلي والحسي يدل على ما يتمتع به الصانع من حياة وإدراك، ووحدة الخطة والبناء في تصميم هذا الكون والترابط الوثيق بين مختلف جوانبه تشير إلى وحدة الخالق ووحدة الخبرة التي انبثق عنها هذا الكون الكبير.

  • عدله واستقامته
كلنا نؤمن -بعقلنا الفطري البديهي- بقيم عامة للسلوك وهي القيم التي تؤكد أن العدل حق وخير والظلم باطل وشر وإن من يعدل في سلوكه جدير بالاحترام والمثوبة ومن يظلم ويعتدي جدير بعكس ذلك، وهذه القيم بحكم الاستقراء والفطرة هي الأساس الذي يوجه سلوك الإنسان ما لم يكن هناك شيء ما يحول دون ذلك من جهل أو ترقب نفع، فكل إنسان إذا واجه خياراً بين الصدق والكذب في حديثه مثلا أو بين الأمانة والخيانة فانه يختار الصدق على الكذب والأمانة على الخيانة ما لم يكن هناك دافع شخصي ومصلحة خاصة قد تغريه بالانحراف في سلوكه عن تلك القيم.

ويعني ذلك أن من لا توجد لديه حاجة إلى شخص أو مصلحة في خداعه أو خيانته أو ظلمه يسلك معه سلوك الصادق الأمين العادل أي سلوكاً مستقيماً. وهذا بالضبط ما ينطبق على الصانع الحكيم سبحانه وتعالى فانه محيط بتلك القيم التي ندركها بعقلنا الفطري لأنه هو الذي وهبنا هذا العقل وهو في نفس الوقت بحكم قدرته الهائلة وسيطرته الشاملة على الكون ليس بحاجة إلى أي مساومة أو لف ودوران ومن هنا نؤمن بأن اللّه سبحانه وتعالى عادل لا يظلم أحداً.

  • عدل اللّه تعالى يثبت الجزاء
إن القيم التي آمنا بها تدعو كما عرفنا إلى العدل والاستقامة والأمانة والصدق والوفاء ونحوها من صفات وتشجب الصفات المضادة لها. وهذه القيم لا تدعو إلى تلك الصفات وتشجب هذه الصفات فقط بل تطالب بالجزاء المناسب لكل منهما، فإن العقل الفطري السليم يدرك أن الظالم والخائن جدير بالمؤاخذة وإن العادل الأمين الذي يضحي في سبيل العدل والأمانة جدير بالمثوبة.

وكل واحد منا يجد في نفسه دافعاً من تلك القيم إلى مؤاخذة الظالم المنجرف وتقدير العادل المستقيم ولا يحول دون تنفيذ هذا الدافع عند أحد إلا عجزه عن اتخاذ الموقف المناسب أو تحيزه الشخصي.

وما دمنا نؤمن بأن اللّه سبحانه وتعالى عادل مستقيم في سلوكه وقادر على الجزاء المناسب ثواباً وعقاباً فلا يوجد ما يحول دون تنفيذه عز وجل لتلك القيم التي تفرض الجزاء العادل وتحدد المردود المناسب للسلوك الشريف والسلوك الشائن، فمن الطبيعي أن نستنتج من ذلك إن اللّه سبحانه يجازي المحسن على إحسانه وينتصف للمظلوم من ظلمه.

ولكنا نلاحظ في نفس الوقت أن هذا الجزاء كثيراً ما لا يتحقق في هذه الحياة التي نحياها على هذه الأرض على الرغم من أنه مقدور للّه سبحانه وتعالى، وهذا يبرهن بعد ملاحظة المعلومات السابقة على وجود يوم مقبل للجزاء يجد فيه العامل المجهول الذي ضحى من أجل هدف كبير ولم يقطف ثمار تضحيته والظالم الذي أفلت من العقاب العاجل وعاش على دماء المظلومين وحطامهم يجد هذا وذاك فيه جزاءهما العادل وهذا هو يوم القيامة الذي يجسد كل تلك القيم المطلقة للسلوك وبدونه لا يكون لتلك القيم معنى.

وعن ذلك عبر القرآن الكريم:

[فأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ] المائدة : 85
[وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا] يونس : 27
[وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً] الكهف : 88
[فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ] الحشر : 17

ولكن يأتي التساؤل التالي: لماذا لا يعذب الله الناس في الدنيا بالرغم من قدرته على ذلك؟

وللإجابة عن هذا التساؤل لابد أن نعرف بأن الله سبحانه وتعالى قد ثبتت قدرته، وخير دليل على قدرته هي خلقه لهذا الكون الشاسع، والذي يخلق مثل هذا الكون الشاسع بما فيه من أمور دقيقة لا نزال نكتشفها يوما بعد يوم على الأرض المحدودة، هذا الكم من الأمور الدقيقة لا نزال نراها على الأرض التي لا تساوي في حساب الكون أكثر من نقطة في بحر، فهذا خير دليل على قدرته سبحانه.

فيتحول السؤال السابق من إشكال على قدرة الله، إلى تساؤل عن الحكمة من وراء ذلك، وبصدد ذلك نقول:
  • إن الله أجرى هذا العالم وفق أسباب، فما من شيء إلا وله سبب، وبالتالي فإن العالم يسير خاضعا لهذه القوانين.
  • رحمة الله اقتضت أن يمهل الإنسان في هذه الحياة الوقت المقدر له لكي يكون داخل النظام الأحس.
  • لقد ضرب الله لنا الأمثال في العذاب الذي يجري في الدنيا، وقد ذكرت مثل تلك الأحداث في القرآن الكريم كنماذج للعقاب الإلهي في الدنيا، حينما تبلغ الأقوام مرحلة لا رجعة فيها، ويكونون على نهج واحد فإن الله سبحانه وتعالى ضرب مثلا في كيفية انزال العقاب الدنيوي. ومع ما ضرب من أمثال لا يزال الإنسان معاندا ومكابرا ويعتقد بأنه لن يطاله شيء، إن الإنسان لظلوم جهول.
ومن التساؤلات الأخرى: لماذا خلق الله الحيوانات المتعددة مع إنه لا حاجة لنا بها، مثل الأسد والنمر وابن عرس؟

وبصدد الإجابة تقول: إن الله سبحانه وتعالى خلق العالم كما ألمعنا وفق أسباب وقوانين محددة، ومقتضى حكمته ذلك، فكل ما في العالم من كائنات حية أو غير حية هو مشمول بالنظام الأصلح الأحسن.

فمثال ابن عرس: لو لم يكن هناك ابن عرس لغزت الأفاعي العالم، والأفاعي وجودها ضروري، فإننا أول ما استخدمنا سمومها لصناعة الأمصال، والأفاعي الغير سامة تقتات على أنواع من الحشرات التي تأكل الأشجار والحيوانات الصغيرة التي تدمر الحشائش. وتدور سلاسل وحلقات طويلة مترابطة في الحياة البرية، لتؤكد لنا أن كل شيء موجود خلق ومن وراءه سبب.

لو أردنا أن نلغي كل شي من دورة الأسباب في الطبيعة، لقلنا لماذا لم يخلقنا الله غير محتاجين إلى شيء، حتى الطعام والشراب مثلا، ويأتي الجواب سريعا، أننا نطالب بعالم الملائكة، فالإشكال بصيغة واضحة هو: لماذا لم يخلق الله الإنسان كالملائكة، ولكن الله سبحانه وتعالى خلق عالم الملائكة، فلم تقتضي حكمته خلق عالم آخر يستبدل فيه الملائكة بالإنسان مع الحفاظ على جميع خصائصها.

بالتالي فإن عالم المادة، هو العالم الذي وضع فيه الإنسان ليكون محل الإمتحان والاختبار. وهنا يطرق الأذهان سؤال، لماذا خلق الله العالم أصلا مع إنه غير محتاج إليه كما ندعي؟ والجواب سوف يأتي في دراستنا في بحث مستقل عن فلسفة الخلق.

عندما يثبت عندنا لله سبحانه وتعالى الصفات الحسنة، وكيف أنه يتمتع بكل الصفات الكمالية، فإنه لا يبقى مجال للسؤال عن مضمون الصفات، بل يتحول السؤال آليا إلى تساؤل عن الحكمة من وراء الظاهرة المعينة.

وبذلك نعرف أن الله سبحانه خلق هذا الكون، ولم يتركه سدى، لقد تحصل عندنا من المقالات الثلاث السابقة أن الله سبحانه وتعالى هو الصانع لهذا الكون، وهو الحامل لجميع الصفات الكمالية.

والحمد لله رب العالمين
ليث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق