المقدمة الأولى - ونعرض فيها توجيه لإشكال خلق الطبيعة

بسم الله الرحمن الرحيم

سوف أناقش في مقدمات البحث بعض المشاكل التي تواجه الفكر المادي لتعريف الأخ القارئ بأن ما يقدمه الملحدون من صورة توحي بأن المادية قدمت الحلول ولا تزال تقدم الحلول الكافية التي ترقى بالمجتمع لمصاف الإنسانية النموذجية والتي توجد حلولا لمشاكله الاجتماعية بإلغاء معضمها، ما هو إلا ادعاء بلا دليل، نعم لم يتسنى لنظام اجتماعي أن يوفر الحلول الكاملة، حيث لم يتسنى وجود قيادة تحمل فكرا إنسانيا كافيا لتقديم الحلول حتى هذه اللحظة إلا في فترات قليلة من عمر الإنسانية.

إن الفكر الذي تتبناها المادية مطالب بشكل مباشر بتقديم حلول إنسانية شاملة، إقتصادية واجتماعية وسياسية، وخلاف ذلك فإنها لن تكون أكثر من تلطيفا للأجواء ليس إلا، فهي لابد أن تقدم صيغة حياة، لا أن تقوم بادعاء أن العلم كاف لتكوين رؤية شاملة للإنسان وعلاقته بما حوله من بشر وطبيعة، وعلاقته بمثله العليا، تحت ظل الفكرة المادية التي تؤمن بمصلحة الفرد المطلقة.

إدعاء كفاية العلم في جميع النواحي (الاجتماعية والسياسية والاقتصادية) هو غير علمي بحد ذاته، حيث إن العلم التجريبي يعجز عن تقديم تفسيرات لما تناله التجربة نفسها، كما في المجال الاجتماعي، لم تستطع التجربة أن تقدم الحلول للبشرية بعد تجارب اجتماعية كثيرة انتهت بالانحلال الأخلاقي للمجتمعات الغربية والتي تعاني أشد المعاناة الآن، كما سنبين في مقالات لاحقة، بالرغم من التقدم التكنلوجي الذي وصل إلى جميع مرافق الحياة، فالحضارة الغربية حضارة مادية، ولا موقع للأخلاق فيها، فهي حضارة مادية لا أخلاقية.

أما السياسة المادية، فهي التي أوصلت العالم لأن يحتل بعضه بعضا، وهي التي جعلت قانون الغاب هو الحاكم، وسياسة أكل القوي للضعيف، وأصبح فيها مبدأ الغاية تبرر الوسيلة هي الأصل وما عداها ليس سوى قيم جوفاء بعرف الفكر المادي.

أود أن أوضح أمرا مهما جدا، إن الماديين لم يستطيعوا إعطاء برهان على عدم وجود الله، بل استطاعوا فقط تقديم إشكالات على وجود الله أي تساؤلات ليس إلا، فلا يوجد حتى اللحظة برهان واحد يثبت بدليل قاطع على أن الله غير موجود! وأنا من موقفي هذا أتحدى، قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، ولا يتمشدق البعض منهم بأن الذي يدعي وجود الله هو المطالب بالدليل، فالمدعي لعدم وجوده سبحانه أيضا مطالب بالدليل، فكلا الإدعائين جازم، وكل ادعاء جازم مفتقر إلى دليل، نعم إن قالوا بأنهم لا يعلمون أموجود هو أم لا، أو قالوا نحن نشك، ولدينا احتمال قوي بأنه غير موجود ولكننا لا نجزم بعدم وجوده، ففي هذه الحالة فقط يصبح الدليل مطلوب منا.

  • الإشكال: طرحت مجموعة أسئلة في مدونة العلم نور، مَن خلق الإنسان؟ مَن خلق الله؟ ومَن خلق الطبيعة؟
سأتكلم عن أحد هذه الأسئلة: من خلق الإنسان؟، حيث إن باقي الأسئلة سيأتي الجواب مفصلا عنها في مقالات أخرى. والسؤال يصاغ عادة كتفسير علمي مضمونه: تخلق الطبيعة خلية واحدة بالصدفة بفعل عوامل بيئية معينة وتتطور هذه الخلية وتتكاثر عبر مليارات السنين لتصل إلى مرحلة الحيوان ومن ثم الإنسان الواعي العاقل.

إذن فهذه هي الصيغة الموجزة للإشكال. وبناء على هذا التفسير العلمي يجعلون منه إشكالا قويا بل يبلغون به حد الدليل على عدم وجود الله!

لنبدأ أولا بالصدفة، فما هو تعريف الصدفة، وما هي مقومات الصدفة، وما هي الإحتمالات التي من خلالها تتكون صدفة غاية في الدقة وفيها تتظافر جميع المقومات لتكون خلية متكونة بصورة دقيقة جدا، فيها جملة من الحسابات الدقيقة والتي لم يستطع أحد حتى هذه اللحظة صنعها بصورتها الحالية.

يستشهد المدون بأن البشر استطاعو تخليق خلية أحادية وقامت بدورها بالانقسام، ولكن ما لم يذكره بأن العلماء أخذوا موروثات خلية حية موجودة بالفعل، قاموا ببعض التعديلات على الموروث الجيني أو DNA ثم قامو بعد ذلك بزرعة لكي ينتج الرايبوزومات اللازمة لتصنيع البروتينات المطلوبة، بحيث إنها تكونت وأصبحت تعمل عمل الخلية، وقامت بتصنيع البروتينات التي تتولى عملية الإضاءة في حشرة سراج الليل.

ما يغفله المدون هو أمران، الأمر الأول دقة الصانع، فلم يتسنى لهذه الخلية أن تتكون صدفة، بل تكونت في مختبر فيه عشرات العلماء وحصيلة تفكير منظم علمي لعشرات السنين لمجموعة عقول عبقرية استطاعت أن تقوم بتخليق هذه الخلية، بل يعد المختبر الذي تم تصنيع هذه الخلية فيه الوحيد من نوعه في العالم! والأمر الثاني هو اعتمادهم على مجموعة من العلاقات بين المواد الكيميائية والمشتقة من الطبيعة، وبالتالي استطاعوا أن يجمّعوا الحمض النووي. إذن هناك شروط قد تم اتباعها بصورة دقيقة ولو أغفلنا أحدها لما تسنى للخلية أن تعمل، والحمض النووي تم جمعه بدقة متناهية.

أما ما فات جاد الملك صاحب المدونة، هب أننا صنعنا خلية، فهل تغفل بأن هذا هو الطبيعة المادية لمكون مادي، من طبيعته الانقسام إذا أوجدت فيه شروطا معينة، ولكن ما هو الذي دفعه للانقسام؟ ما هو المرجح الذي أخرجه من قابلية الانقسام إلى الانقسام بالفعل؟ لن تجد إجابة لأن العلماء لم يجدوا إجابة حتى هذه اللحظة، فهي من المسلمات العلمية التي لا يعرف سببها، ويطلق عليها بالقانون السببي الذي سوف يأتي الحديث عنه وعن قانون العلية (قانون السببية وهو مبدأ عقلي يقابل القانون السببي ويختلف عنه جذريا، والقانون السببي هو ما يؤمن به المذهب التجريبي)، كما نعرف الضوء ولكننا لا نراه بل نرى آثاره وندرسها والصوت كذلك.

ثم هب أيضا بأننا صنعنا كائنا متعدد الخلايا من هذه الخلية الأحادية، ما هو الدليل على أنه سيكون كائنا يحمل صفاتا وراثية وله قدرة على التناسل؟! حيث إنك تريد بهذا المثال قدرة ما استطاعت أن تختصر الطريق من مليارات السنين إلى أشهر. أنا أدعي مثلا بأن الله هو من أودع هذه القدرة أو هذه القابلية للانقسام وتكوين مكونات أكثر تعقيدا، وحكمته كانت المرجح الوحيد لأن تتكون هذه الخلية مستقبلا شتى التكونات وتتشكل بشتى الأشكال، هات دليل علمي على عدم صحة كلامي!

أعود لموضوع الصدفة، فالصدفة تعتبر نقطة مقابلة للزوم، فإذا استطعنا أن نفهم معنى اللزوم أمكننا أن نحدد معنى الصدفة، بوصفه المفهوم المقابل للزوم والنقيض له.

واللزوم على نحوين: اللزوم المنطقي، واللزوم الواقعي. واللزوم المنطقي: لون من الارتباط بين قضيتين أو مجموعتين من القضايا، يجعل أي افتراض للانفكاك بينهما يستبطن تناقضا. واللزوم الواقعي: عبارة عن علاقة السببية القائمة بين شيئين، كالنار والحرارة، أو الحرارة والغليان، أو استعمال الأفيون والموت. وهذه السببية لا تستبطن أي لزوم منطقي بالمعنى المتقدم، لأن افتراض أن النار ليست حارة، أو أن الحرارة لا تؤدي إلى الغليان.... لا يستبطن بذاته تناقضا.

فهناك -مثلا- فرق كبير بين افتراض أن المثلث ليس له ثلاثة أضلاع، وافتراض أن الحرارة لا تؤدي إلى غليان الماء، فإن الافتراض الأول يستبطن داخل بنائه الذهني تناقضا منطقيا، بينما لا يوجد أي تناقض منطقي داخل الافتراض الثاني، لأنه افتراض لا يناقض نفسه، وإنما يناقض الواقع الموضوعي للحرارة، ولهذا كان اللزوم بين المثلث والأضلاع الثلاثة منطقيا، وكان اللزوم بين الحرارة والغليان واقعيا فحسب لا منطقيا.

و (الصدفة) تعبير عن المفهوم المقابل للزوم. فإذا قيل عن شيء أنه (صدف) كان معنى ذلك أحد أمرين: عدم كونه لازما لزوما منطقيا، أو واقعيا.

والصدفة قسمان: صدفة مطلقة، وصدفة نسبية: فالصدفة المطلقة: هي أن يوجد شيء بدون سبب إطلاقا، كغليان الماء إذا حصل دون أي سبب. والصدفة النسبية: هي أن توجد حادثة معينة نتيجة لتوفر سببها ويتفق اقترانها بحادثة أخرى صدفة، كما إذا تعرض ماء معين لحرارة بدرجة مئة فحدث فيه الغليان، وتعرض ماء آخر في نفس الوقت لانخفاض في درجة الحرارة إلى الصفر فحدث فيه الانجماد، في نفس اللحظة التي بدأ فيها غليان الماء الأول. 
 
ففي هذا المثال يعتبر اقتران انجماد هذا الماء، وغليان ذلك الماء، ووجودهما معا في لحظة واحدة، صدفة. والصدفة هنا نسبية لا مطلقة، لأن كلا من الغليان والانجماد وجد نتيجة لسبب خاص، لا صدفة، وإنما تتمثل الصدفة في اقترانهما، إذ ليس من اللازم أن يقترن انجماد ماء بغليان ماء آخر، فإذا اقتران أحدهما بالآخر كان ذلك صدفة.

وعلى هذا الأساس يمكن القول، بأن الصدفة المطلقة: هي أن توجد حادثة بدون أي لزوم منطقي أو واقعي، أي بدون سبب. والصدفة النسبية: هي أن تقترن حادثتان بدون أي لزوم منطقي أو واقعي لهذا الاقتران، أي بدون رابطة سببية تحتم اقتران إحداهما بالأخرى.

والصدفة المطلقة مستحيلة من وجهة النظر الفلسفية، أو أي وجهة نظر فلسفية أخرى تؤمن بمبدأ السببية بوصفه مبدأ عقليا قبليا. لأن الصدفة المطلقة تتعارض مع مبدأ السببية، فمن الطبيعي لكل من يؤمن بمبدأ السببية أن يرفض الصدفة المطلقة. والعلم يسعى حثيثا لفهم أسباب حدوث الظواهر الكونية، فليس من المنطقي أن يبعض الظواهر فيفترض في جزء منها علاقة السببية، ولا يفترض في البعض الآخر هذه العلاقة كما سنلاحظ في ما سيأتي عندما نتناول قانون العلية.

كل حادث في الطبيعة يخضع لاحتمال مشروط، فهو احتمال معين لمجموعة عوامل والشرط يخرج أحدها من الإمكان إلى الحدوث بالفعل. إذن الصدفة النسبية هي عبارة عن احتمال مشروط مجهول الشرط من قبلنا، وذلك لتعقد الشرط في بعض الأحيان، مثلا العوامل المناخية والبيئية وما إلى ذلك، واقتران الغليان بالانجماد له أسبابه، وهو مثلا الزمن اللازم للإنجماد والزمن اللازم للغليان اتفق أن ينتهيا في وقت واحد، ولكننا لم نلتفت ولم نحسب تلك الإزمان فحدث الاتفاق، فالحدث بحد ذاته معلل.

نعود الآن لتشكل الخلية بمحض صدفة نسبية، فليس هناك أي مبرر لعمل الطبيعة ذاك، بل ما هو إلا فرض، ليس هناك دليل على أن الطبيعة أطلقت الطاقة الكامنة لها لتخلق خلية أحادية حيث نسأل، هل الطبيعة مدركة أم أنها عمياء تسير وفق قانون طبيعي لا ينقض (بمقتضى الطاقة لا تفنى ولا تستحدث)، وما هو المرجح لأن تكون الخلية تحتوي على ما تحتوي عليه من جينات؟ وسبب وجود هذه المكونات بصورة غاية في الدقة والإحكام بحيث تكونت الخلية؟ لماذا لا ينقص جزء من هذه المكونات وتبقى تعمل؟ لماذا إذا نقص جزء من هذه الجينات قد لا تتكاثر أو إذا غاب جزء من المكونات الداخلية للخلية لا تعمل بصورة صحيحة هذا إن عملت أصلا؟ لا يوجد إجابة واضحة علمية يقدمها المتبنون لمثل هذه النظرية، فيكون ذلك اتفاقا خاضعا لقانون الاحتمال.

الإشكال التالي والأكبر الذي يرد هو: فرض النظرية أن المركب الكيميائي الذي تكون بعد التفاعلات المتسلسلة هو الأر أن أي RNA، وتنتقل الفرضية مباشرة إلى أن الـ RNA قد تطور بصورة طفرة ما إلى الـ DNA، مع العلم بأن DNA أعقد من حيث التركيب بملايين المرات، فهو ليس مركبا كيميائيا فحسب، بل هو عبارة عن مجموعة مركبات من بروتينات ودهون المتشكلة من أحماض أمينية غاية في التعقيد.

فهي إذن عبارة عن محض فرضية، مبنية على أساس صدفة نسبية، وبالتالي فهي تخضع لقانون الاحتمال والمنهج الاستقرائي.

وحتى لو فرضنا حصول ذلك، مع كل الإشكالات، ولكن ما هو المرجح لأن تنقسم هذه الخلية بصورة دقيقة جدا بحيث تحمل كل خلية موروثها الخاص كاملا دون نقص، بحيث تكون مولدة لأجيال تحمل نفس الخصائص الوراثية، وما هو المرجح على حياة هذه الخلية وعدم مماتها؟ وما هو المرجح لأن يتكون منها المخلوقات المختلفة، حيث إن الموروث الجيني حصل فيه طفرة نوعية، ليس هناك مرجح، فإن الخلية العمياء التي تنقسم بصورة فطرية طبيعية، لا تحمل في داخلها تفكيرا لكي تبدأ بتحسس الطبيعة من حولها لتتكيف معها، فإن الفرضية تقضي أن تبقى الخلية عبارة عن خلية أحادية لا تحول فيها حتى إن حدث طفرات جينية فيها، بل المرجح الأكبر أن هذه الخلية الأولية سوف تموت كما تشكلت..

ثم ما هو المرجح لأن يتكون منها هذا الكم الغفير من الأجناس، التي تعد بالملايين من شتى الكائنات الحية، من الأحادية الخلية حتى المتعددة، والمتعددة تنقسم إلى نباتات وحيوانات وما إلى ذلك، وكل واحد منها يحمل نمطه الخاص من أساليب التكاثر وما إلى ذلك، ومن أين أتت المعلومات الجديدة في الحمض النووي.

كيف استطاعت الانتخابات الطبيعية (الانتخاب الطبيعي هو العملية التي من خلالها يتم اختيار معين من قبل الطبيعة العمياء لكي تقوم بعملية تطور معينة بعد حدوث طفرات وراثية - لا تعتقدوا بأن اللغة صعبة، بل المبدأ ساذج!) أن تكيف الأجزاء المختلفة لتكون كائنا حيا واحدا فقط؟ مثال على ذلك، كيف استطاعت الطبيعة أن تطور الجهاز التناسلي المركب (الذي يتم التناسل فيه بواسطة أنثى وذكر بخلاف البسيط الذي يحدث فيه التناسل بواسطة انقسام ثنائي بسيط)، لمن درس عملية التناسل البشري مثلا، يجد بأن الأعضاء التناسلية الذكرية تقوم بعمليات معينة، والجهاز التناسلي الأنثوي يقوم بعمليات ثانية مختلفة تماما، مع وجود انسجام كبير جدا بينهما، فلو حدث خلل في أحدهما لن يحصل الحمل الطبيعي. ألا يشير ذلك إلى ذكاء كبير جدا في نظام الانتخاب الطبيعي؟!

أكبر إشكال يأتي هو، كيف للطبيعة العمياء التي تتصرف غريزيا أن تعطي للإنسان القدرة على التفكير المنطقي والذكاء، حيث أننا نعلم بأن الإنسان منذ القدم ذكي، والدليل هو قدرته على التكيف مع أن الحصان والبقر بقي كما هو منذ آلاف السنين؟ بل بعض الحيوانات مثل فرس البحر بقي على حاله منذ ملايين السنين! أليس فاقد الشيء لا يعطيه؟! إذن فكيف استطاعت الطبيعة العمياء إعطاء الإنسان هذا الكم من الذكاء القابل للتطور حتى هذه المرحلة التي نعيشها الآن؟ وما هو المرجح في أن يتطور بهذه الصورة دون غيرها، لماذا لم يكن لنا أربعة أذرع مثلا، أو ثلاثة أرجل، أو ثلاثة عيون؟ ما المرجح الذي حمل الجينات على أن تخلق إنسانا بهيأته الحالية؟ ليس هناك جواب! يمكن الاستفاضة بمراجعة المقالين التاليين 1، 2

مبررات المتبنين لنظرية دارون:
  1. وجود الأجناس المتعددة من البشر، وهذا عين ما أشرت إليه في الفقرة السابقة، وهو إشكال عليه لا برهان له!
  2. يسأل كيف وصل أولاد الهنود الحمر إلى أمريكا، بغض النظر عن حركة القارات وكيف إنها كانت مجتمعة في مكان واحد في يوم ما، إلا أننا نسأل، ما هو المرجح لكي يُخلق في أي من الجهتين نفس الأصناف من الكائنات، إن كنت تريد أن تشكل بأن البشر تكونوا هناك وهنا أيضا، وكان الأصل واحد عبارة عن خلية أحادية، فما هو الضابط للطبيعة العمياء لكي تقوم بخلق بشر لهم نفس الصفات الوراثية عدا عن الاختلافات الغير جوهرية حيث إنهم من حيث الإنسانية متساوون، وكذلك الآلاف من الكائنات الحية، كيف تسنى للطبيعة أن تخلقهم على صورة واحدة! ما هذه الصدفة الخارقة التي استطاعت أن تحدث في مكانين يبعدان عن بعضهما البعض آلاف الكيلومترات وأن يكون هناك هذا الكم الهائل من التناسق والتنظيم الدقيق جدا؟ لا إجابة من جانبهم طبعا، وقانون الاحتمال ينفي تحقق مثل هكذا صدفة نسبية.
هذه أبرز أدلتهم مع بعض آخر هو أوهن من أن يذكر هنا.


مع التحيات،
ليث

هناك تعليقان (2):

  1. هذا هو المقال الوحيد الذي أجدك فيه تطرح بعض الإشكالات العلمية، ومع ذلك الاحظ به بعض من المغالطة، كملاحظة قبل أن ابدأ توضيحي، أنت تعالج ما ينفي وجود الاله وكأنه منهج خاص، تفكير متوحد، تيار يمكن مناقشته جملة وهذا خطأ يا عزيزي، الإلحاد هو عدم الايمان بالغيبيات حاوية الله والباقي فكر حر وليس منظومة خاصة.
    قلت أننا لم نأتي بدليل مادي ينفي وجود الله لحد الآن، وطلبت منا الدليل. هذا يا أخي ليس بطلب سليم وأنا أشك في منطقك عندما تطرح هكذا طلب وأنت تعلم أن الله كائن ميتافيزيقي وبالتالي لا يمكن إثبات وجوده من عدمه ككائن لا يتدخل في تنظيم الكون، العلم لا يمكنه أن يثبت شيء ميتافيزيقي، هذا من جهة ومن جهة ثانية يمكنني أن أجيب باشكال اخر، فمثل طلبك أنا يمكنني أن أضع بدل كلمة الله أي شيء غير موجود وأزعم أنه موجود وأطلب منك أن تأتي بالدليل على أنه غير موجود، أهل ستأتي بالدليل
    تكلمت عن الصدفة وانت تتخيلها كالمثال الشائع الذي يريد به الخلوقيين تفنيد نظرية الابيوجينسيس، مثال خلق طائرة بوينغ أو سيارة فخمة بضربة حظ.
    ملاحظة، نظرية التطور لا تستعمل مصطلح الصدفة في أي جانب من جوانبها...
    أصحح معطى، الخلية التي صنعت في المختبر صنعت من مواد غير حية وأرجو عدم المغالطة وعدم التلاعب بالمعطيات، والهدف الغير مسبوق للتجربة هو أنه أول مرة منذ ملايير السنين تظهر الى الوجود خلية حية دون انقسام عن خلية حية أخرى...
    أيضا أنت تخلط كثيرا بين نظرية التطور ونظرية الأبيوجينيسيس، نظرية التطور يبدأ عملها بعد ظهور الخلية الأحادية إلى الوجود، فكيفية قدوم الحياة للظهور ليست مرتبطة بالتطور، ونظرية التطور ليست مجرد نظرية كما تفهم فكلمة نظرية في السياق العلمي لا تقتصر على الشكوكية،فهي تعني ”مجموعة مترابطة من المقترَحات العامة تـُستخدَم كقواعد لشرح ظاهرة ما.“
    ونظرية التطور صحيحة ولقد أثبتت نفسها بنفسها قبل أن تأتي أجوبة لتساعدها من شتى العلوم، واطلب منك أن تقرأ اخر كتاب عن النظرية
    Coyne: Why Evolution Is True
    نعود للصدفة وللخلية الأولى، هذه الخلية لم تأتي مرة واحدة بل قبل 4ملايير عام ظهرت جزيئات كيميائية معقدة لا تمثل خلايا كاملة في وسط يختلف عن الوسط الذي نراه اليوم فلم يكن هناك أكسجين جزيئي في الغلاف الجوّي أو في المحيطات. حيث أن الأكسجين الحر قوي التفاعل و من المرجح أنه تدخل في تكوّن هذه الجزيئات الكيميائية المعقدة. أقول من المرجح لأن العلم لازال يبحث في هذا الموضوع، والذي سيجد النظرية الصحيحة سيحصل على جائزة نوبل التي تنتظر في سويسرا الآن...
    المهم من هذا كله وهو أنه الصدفة التي وقعت أن كونت هذه الخلية ليست الصدفة التي تفهمها أنت، الصدفة التعجيزية...
    انت تقول كيف للخلية العمياء أن تتطور، أنا أسألك ماذا يقع لفيروس الإنفلونزا ذو الخلايا العمياء أيضا الذي يأتينا في كل عام بحلة جديدة، ماهو فيروس الايدز ومالذي وقع في التجربة المسماة تجربة لينسكي... أخي هذا كلام غير علمي أن تقول خليت عمياء لا تدرك ولا ولا فكيف بها تفعل وتفعل ...
    المرجو انتقاد العلم بالعلم وليس بالكلام الإنشائي الضني...
     

    ردحذف
  2. أحمد،

    الفكر المادي الإلحادي مطالب بشكل عملي بتقديم منظومة اجتماعية ورؤية كونية متكاملة لمعالجة المشاكل الاجتماعية، فالعلم التجريبي لا يقدم سوى الحلول المادية للمجتمعات، أما ما يخص المشاكل النفسية فالعلم المادي لا يقدم لها أي شيء. فأنت لا تستطيع أن تفصل بين العلم وبين الإنسان وتعتبره فكرا حرا، فهو على ارتباط وثيق مع الإنسان.

    والله ليس بكائن ميتافيزيقي، أنت إن كنت ترفض الفلسفة والأبحاث الفلسفية فهذا شأنك، لأنك بالتالي تحاول إقصاء آلاف الكتب والعقول التي كتبت في هذا الميدان، الكائن الميتافيزيقي هو شيء لا وجود له ولا تستطيع أن تثبت وجوده، أما بالنسبه لله فإننا نثبت وجوده وصفاته عقليا ببراهين فلسفية واستنباط ذاتي من خلال نظرية الاستقراء.

    ونظرية الخلية الأولى تعتمد على الصدفة المحضة وليس فقط الصدفة، فالصدفة تقسم احتماليا إلى مجموعة أنواع، لعلك لا تقرأ مدونة وليد، أو لا تقرأ التعليقات في الفيس بوك، رأيك هذا شاذ عن البقية، والصدفة التي حاولت تقديم عرض لها هي ما يدرس في نظرية الاحتمالات والتي درستها في الجامعة أنا شخصيا، لا أدري أي صدفة تقصدها أنت؟

    الخلية المصنوعة في المختبر خلّقت من مواد أولية حية، فالغشاء الخلوي هو خلية حية قامو بتفريغها من محتواها وجاءوا بخلية أخرى حية وعدلوا على موروثها الجيني وزرعوها في ذلك الغشاء، ثم أكملوا مكونات الخلية من خلال تصنيع الأجزاء الباقية من بروتينات ودهون بعضها صناعي وبعضها طبيعي. صحح معلوماتك أحمد.

    أنا أربط بين النظريتين من حيث التطور ونشوء الخلية الأولى لارتباطهما الوثيق، ولبناء أحدهما على نتائج الأخرى، نظرية التطور لم تثبت أي شيء حتى الآن ولا تزال مجرد ظنون، لا يوجد أي دليل علمي قاطع مبني على تجربة أو أي شيء آخر يثبت نظرية التطور ولا حتى نظرية الخلية الأولى. حتى أن دراسة البيئة في ذلك الحين قائمة على ظنون علمية ولكنها أقرب شيء لكل النظريات الموجودة الآن والتي تدرس البيئة وفق التنبؤات بعد دراسة ردود أفعال المواد الموجودة في الطبيعة.

    أنت لم تعش قبل 4 مليارات سنة وتدرس البيئة فيزيائيا وكيميائيا حتى تعطي دليلا قاطعا، فكلام العلم الآن قائم على الظنون ليس إلا.

    سؤالك عن الفايروس وكيف له أن يتكيف مع الأجواء التي تحيط به هو سؤال موجه لك، فأنت المطالب بالإجابة عن هذا السؤال ولي أنا، فأنا بكل بساطة أقول الله خلقه وأودع فيه هذه القدرة، ولا ينافي هذا تفسيرا علميا، فإثبات شيء لا ينفي ما عداه. هذا من ناحية والناحية الثانية التي لعلك لم تقرأها جيدا هي، كيف لخلية نحن ندرسها الآن ونعرف كيفية انقسامها جيدا، تحمل موروثات معينة أن تنشيء كائنا متعدد الخلايا من خلال طفرات جينية منظمة بحيث توصل إلى وجود حياة متعددة الخلايا، وكيف لهذه الطبيعة التخليقية أن تعطي لهذه الكائنات مواصفات غير موجودة فيها بل مكتسبة من البيئة المحيطة بها. ومن المعلوم بأن الصفات المكتسبة لا تورث!

    أنت تطالبني بأن أنتقد العلم بالعلم، كما أني أطالبك بأن تنتقد الفلسفة بالفلسفة، أنت قلت في البداية التالي: "هذا هو المقال الوحيد الذي أجدك فيه تطرح بعض الإشكالات العلمية"، وهذا شيء سيء جدا، فأنت لا تستطيع أن تعترف بعلمية الفلسفة، لأنك تعرف بأنك لا تجاري فيها، أخي الفاضل كما أني مطالب بدليل علمي ينقض دليلك العلمي، فأنت مطالب بدليل فلسفي ينقض دليلي الفلسفي، وأنا لم أنشئ مدونة تهاجم الإلحاد، بل أنشأت مدونتة لنقد الإلحاد بعد أن وجدت مدونتة لمهاجمة الأديان. فأنت المطالب أكثر مني لنقد فلسفي، فإن كنت عاجزا عن سد النقص فلسفيا فدع المجال لغيرك.

    ردحذف